مدونة ذات طابع إخباري تقدم تغطية شاملة لكل ما يخص الشأن المصري..
(سياسية - اقتصادية - صناعية - زراعية - رياضية - سياحية - ثقافية - فنية - مشروعات قومية)

الأخبار

الجمعة، 12 مايو 2017

قابل للكسر

حماية حقوق الإبداع


       الجزء الأول

بقلم : د. طارق الشيخ


        أثبتت الخبرات القانونية فى مجال حق المبدعين أن الممارسة الفردية لحق من حقوق المبدع غير عملية وغير مجدية، لأن المنتفعين بالإنتاج الذهنى يحتاجون إلى أداة أساسية فاعلة، تتيح للأفراد الممارسة الفعالة لهذه الحقوق، الأمر الذى أدى إلى ضرورة وجود نظام للإدارة الجماعية يتولى قضايا حقوق المؤلف، وقد وَضعت الاتفاقيات الدولية الخاصة بحق المؤلف الأحكام الأساسية الخاصة بإنشاء الإدارات الجماعية والجمعيات ذات الصلة، سواء من حيث تسميتها أو من حيث تمثيلها القانونى لفنانى الأداء، وكيفية استغلال المصنفات الخاصة بهم، وكيفية توزيع صافى ما يتم تحصيله من مبالغ على أعضاء هذه الجمعيات، وتحديد الجهات الإدارية المختصة بتحصيل الحقوق المالية للمبدعين، وقد أكدت كل من اتفاقية (برن) لحماية المصنفات الفنية والأدبية، واتفاقية (التريبس) الملحقة باتفاقية (الجات)، على أهمية إرساء نظام جمعيات المؤلفين والملحنين والإدارة الجماعية لحق المؤلف بشكل عام، ودعم الدول النامية فى إنشائها وتعزيزها بما فى ذلك تدريب العاملين فيها ، كما أكد التشريع النموذجى لحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة فى الوطن العربى على أهمية إنشاء الإدارات الجماعية لحق المؤلف والحقوق المجاورة، ودورها فى تنظيم وإدارة وحماية الاستغلال المالى.


        إن اهتمام الدول بشكل عام بتنظيم موضوعات حماية أصحاب الأعمال الابتكارية جميعها، هو أمر يرتبط بالتطور التقنى فى مجال الاتصالات ونقل المصنفات للجمهور، وكذلك المساعدة على ابتكارها، لذا باتت الدول تضع هذه التشريعات فى مقدمة اهتماماتها، سواء بتنظيم بعض الموضوعات لأول مرة أو بتطوير التنظيم التشريعى للبعض الآخر منها بصفة مستمرة، بما يضمن مسايرة القانون للتطورات العلمية الواقعية المتجددة يوميا .


        لذلك ازدادت أهمية الإدارة الجماعية لحق المؤلف والحقوق المجاورة فى الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، ذلك أن التحديات التكنولوجية الجديدة فى مجال النشر وتوزيع المصنفات فرضت على منظمات وهيئات الإدارة الجماعية الاستفادة من التجارب العالمية فى هذا المجال، ولا سيما بعد ظهور اتجاه دولى لإنشاء نظام عالمى جديد لإدارة المعلومات المتعلقة بالمصنفات، والذى سيؤثر بشكل إيجابى على الإدارة الجماعية لحق المبدع.


        ويستفاد من تشريعات بعض الدول المتقدمة أنها عرفت نظام الإدارة الجماعية لحق المؤلف والحقوق المجاورة فى تاريخ مبكر، وضمّنتها تشريعاتها، ومن أمثلة هذه الدول فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، ففى فرنسا تم تأسيس أول إدارة جماعية لحق المؤلف والحقوق المجاورة تمثلت فى "جمعية المؤلفين والملحنين وناشرى الموسيقى" سنة 1851، التى تعرف اختصارا باسم "S.A.C.E.M"، وعهد لها بمنح التراخيص لأصحاب حقوق التأليف، وتحصيل حقوق المؤلف نظير ما يتم من حفلات موسيقية، حيث تستهدف تحصيل وتوزيع حق التمثيل والعرض العام للملحنين والمؤلفين وناشرى الموسيقى، ويشتمل هذا على الأغانى والمعزوفات الموسيقية وموسيقي الأفلام وغيرها، وقد قامت جمعية الملحنين والمؤلفين وناشرى الموسيقى فى فرنسا بتحصيل ما يقارب مليار يورو سنة 2006، بمعدل يقترب من 60% من مجموع المبالغ التي تم تحصيلها من قبل جمعيات تحصيل وتوزيع الحقوق الأخرى .


        وفى الولايات المتحدة ولدت فكرة إنشاء جمعية أمريكية للملحنين والمؤلفين والناشرين المسماة اختصارا "ASCAP" سنة 1911، وكانت باكورة أعمالها مطالبة أحد المطاعم بالحصول على رخصة أداء علنى من الجمعية مقابل (15) دولار شهريا، وبذلك أصبح من حق هذا المطعم عزف أى مصنف لأى فنان عضو فى الجمعية، وقد تطور نشاط هذه الجمعية حتى بلغ مجموع تحصيلاتها سنة 2006 ما يزيد على (10) بليون دولار سنويا، يتم توزيعها على (60) ألف من أعضائها .


        أما فى الدول العربية فقد نصت بعض تشريعات حق المؤلف العربية الحديثة على تنظيم الإدارة الجماعية لحق المؤلف والحقوق المجاورة ، ففى لبنان تضمن قانون حماية الملكية الأدبية والفنية فصلا كاملا عن "جمعيات وشركات إدارة الحقوق الجماعية"، ونص على أحكام تفصيلية للإدارة الجماعية تشمل إنشاء الجمعيات والشركات التى تؤلف فيما بين المؤلفين أو أصحاب الحقوق المجاورة، وتنظيم كيفية تأسيس وعمل هذه الجمعيات والشركات، وكيفية الرقابة عليها، وتحديد صلاحياتها فى تحصيل التعويضات والرسوم المستحقة وتوزيعها على أصحاب الحقوق سنويا، وذلك بشكل يتناسب مع الاستغلال الفعلى لأعمالهم .


        أما فى مصـر فقد أنشئت على ذات النمط جمعية تسمى "جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين" سنة 1945، ويشار إليها عادة باسم مختصر "ساسيرو S.A.C.E.R.A.U" وهى الأحرف الأولى لاسم الجمعية باللغة الفرنسية، ونلقى بعض الضوء على نشأتها وقواعدها ودورها فى حماية المبدعين المصريين فى الحلقات القادمة.


        وقد لوحظ أن التشريعات الوطنية فى الكثير من الدول النامية، ومنها الدول العربية، لم تتضمن تشريعاتها نصوصا خاصة بتنظيم الإدارة الجماعية لحق المؤلف والحقوق المجاورة، ولذلك فكلما انضمت دولة منها إلى اتفاقية "التريبس"  فإنها تصبح ملزمة قانونا بتضمين تشريعاتها المحلية الخاصة بحق المؤلف، نصوصا خاصة بالإدارة الجماعية لحق المؤلف والحقوق المجاورة، إذ من مصلحة المؤلفين والملحنين ومبدعى المصنفات أن يؤسسوا منظمات للإدارة الجماعية لحق المؤلف والحقوق المجاورة تساعدهم فى تحصيل المبالغ المستحقة لهم وتوزعها.


دور الجمعيات فى حماية الحق المالى:

        يعتبر الدور الرئيس للجمعيات ولكل الهيئات المنوط بها حماية الحق المالى للمبدع تحصيل المبالغ المستحقة للمشتركين، وكذلك الدفاع عن حقوقهم المالية بشتى الوسائل، خاصة الوسائل القضائية، كما أن تلك الجمعيات والهيئات منوط بها الدفاع عن حقوق أصحاب الحقوق المجاورة،  وقد توسع مجال حق المبدع بصورة هائلة بفضل التقدم التكنولوجي الذي شهدته العقود الأخيرة، والذي أدى إلى استحداث وسائل جديدة لنشر الابتكارات بمختلف طرق الاتصال العالمية مثل، البث عبر الأقمار الصناعية أو الأقراص المدمجة، وكان توزيع المصنفات عبر شبكة الانترنت آخر وجه للتطور الذي لا يزال يثير تساؤلات جديدة ذات صلة بحق المبدع.

        ويقصد بأصحاب الحقوق المجاورة فى مجال الملكية الفكرية كل من: فنانى الأداء ومنتجى التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة، وقد تكفل المشرع المصرى فى المادة (138) من القانون رقم 82 لسنة 2002 بشأن حماية حقوق الملكية الفكرية، بتعريف أصحاب الحقوق المجاورة على النحو التالى:

فنانو الأداء: وهم الأشخاص الذين يمثلون أو يغنون أو ينشدون أو يلقون أو يعزفون أو يرقصون فى مصنفات أدبية أو فنية محمية طبقا لأحكام هذا القانون أو التى آلت إلى الملك العام، أو يؤدون فيها بصورة أو بأخرى، بما فى ذلك التعبيرات الفلكلورية (138 /11)، وقد اعترف المشرع المصرى لأول مرة فى القانون الحالى رقم 82 لسنة 2002 بحقوق فنانى الأداء، الأدبية والمالية، مثلهم مثل المؤلفين والملحنين، وذلك إعمالا لنص المادة (14) من اتفاقية التربس.

ومنتج التسجيلات الصوتية: وهو الشخص الطبيعى أو الاعتبارى الذى يسجل لأول مرة مصنفا تسجيلا صوتيا، أو أداء لأحد فنانى الأداء، وذلك دون تثبيت الأصوات على الصورة فى إطار إعداد مصنف سمعى بصرى، المادة (138/13)، وما أخذ به المشرع بالنسبة لمنتج التسجيلات الصوتية يتفق أيضا مع المادة (14/2) من اتفاقية التريبس.


وهيئات الإذاعة: ويقصد بها كل شخص او جهة مناط بها أو مسئولة عن البث الإذاعى اللاسلكى السمعى أو السمعى البصرى، المادة (138/17)، وقد حددت أيضا المادة (138) فى الفقرة (14) منها، المقصود بالإذاعة: أنها البث السمعى أو السمعى البصرى للمصنف أو للأداء أو للتسجيل الصوتى أو تسجيل المصنف او الأداء إلى الجمهور بطريقة لاسلكية، ويعد كذلك البث عبر التوابع الصناعية عملا إذاعيا .


        وفضلا عن ذلك أيضا نجد أنه إذا كان التطور التقنى فى مجال الاتصالات هو الذى أدى إلى ميلاد الحقوق المجاورة أو بداية الاهتمام بها وحمايتها، فإنه قد أدى دورا جوهريا أيضا فى تحديد أصحابها، إذ يترتب على المزيد من التطور المطالبة بإدراج طوائف جديدة ضمن أصحاب الحقوق المجاورة، وهو يتمثل كذلك فى ميلاد الدعامة المادية التى تعد أداة نقل المصنف إلى الجمهور فى معظم الحالات، والتى تتضمن الأداء أو التمثيل الذى قام به فنان الأداء، والتى تصل للجمهور فى شكل فونوجرام أو فيديوجرام أو برنامج إذاعى أو تليفزيونى أو فيلم سينمائى، فإن هذا لا يعنى أن الحقوق المجاورة جميعها ذات طبيعة متجانسة، ويبدو ذلك من حيث أن فنان الأداء يتمتع بحق أدبى، فى حين يُحرَم منه باقى أصحاب الحقوق المجاورة، خاصة الذين يتمثل دورهم فى الإستثمار المالى فى ميدان استغلال حق المؤلف أو حقوق فنان الأداء، وبمعنى آخر فإن فنان الأداء يتمتع بحق أدبى لأنه يضع ملكاته الشخصية فى خدمة المصنف، فى حين يقوم المنتجون وهيئات الإذاعة مثلا بوضع إمكاناتهم المالية أو الإقتصادية فى خدمته .


        غير أن خلافا حدث بين الفقه القانونى حول تكييف الدور الذى تلعبه جمعيات وهيئات الإدارة الجماعية، وطبيعة علاقتها بأعضائها، ويتمثل واقع الأمر فى شأن العلاقة بين الجمعية وأعضائها من المؤلفين والملحنين فى أنها علاقة غير قابلة للانحلال، فالأعضاء فوّضوا الجمعية فى ممارسة حقهم فى الترخيص باستغلال مصنفاتهم وإعادة نشرها بصوت مؤدى جديد، فهناك فارق بين تفويض، وهو بطبيعته غير قابل للإلغاء من طرف واحد، وفقا للرأى الراجح فقها، وهو جائز من وجهتين شرعية إسلامية وقانونية تشريعية، وبين وكالة قابلة للرجوع عنها وفقا للقواعد العامة، كما أن هناك فارقا بين الأخيرة وبين نوع آخر من الوكالة المتمحضة لمصلحة الوكيل، وهى الوكالة غير القابلة للرجوع عنها، ويذهب الرأى الراجح فقها إلى أن العلاقة بين الأعضاء - مؤلفين وملحنين - وتلك الجمعيات، هى علاقة تفويض لا يقبل الإلغاء، شأنه فى ذلك شأن تفويض الزوج لزوجته فى تطليق نفسها، فهو تفويض لا رجعة فيه وأقرب إليه نظام الوكالة الصادرة لمصلحة الوكيل المحضة.


        فالمؤلفون والناشرون الذين انضموا إلى جمعية المؤلفين والملحنين وناشرى الموسيقى، على سبيل المثال فى فرنسا، لم يحتفظوا بممارسة حقوقهم التي تمكنهم أن يطالبوا منفردين بحمايتهم القانونية، خاصة من خلال دعاوى التزوير والتقليد، كما أن محكمة العدل الأوربية  حكمت فى 9 ابريل 1987، وفى 13 يوليو 1989 طبقا للمادة (36) من اتفاقية (روما) بمنع الأعضاء من تجاوز دور تلك الجمعيات.


        كما أنه من أهم وسائل حماية الحق المالى للمبدع فى حالات الأداء العلنى وسيلة الحق فى التتبع  التى تقرها بعض التشريعات الوطنية، وتتناولها الاتفاقيات الدولية كأحد صور الحماية الموضوعية، وهو ما يخوّل المبدع تتبع أعمال التصرف فى النسخة الأصلية من مصنفه، مثل أصل النوتة الموسيقية أو مخطوطة الكتاب أو اللوحة أو التمثال، أو غير ذلك من المصنفات التى يصنع منها نسخة وحيدة.  وحق التتبع معناه حصول مبدعها على نسبة معينة لكل بيع لاحق على أول تنازل يجريه هذا المبدع، وذلك إذا كان ذلك البيع اللاحق قد تم عن طريق المزاد العلنى، أو تم بالبيع المباشر بواسطة أحد التجار أو محترفى هذا النشاط ، كالسماسرة وغيرهم، حيث يخوّل الحق العينى صاحبه تتبع ما يملكه فى أى يد كان، والحق العينى سلطة قانونية مباشرة للشخص على شىء معين، ويستتبع ذلك ان صاحب الحق يكون له تتبع الشىء المملوك له تحت أى يد كان.


        وذهبت المادة (14 ثالثا) من اتفاقية (برن) إلى تحديد كافة الجوانب المحيطة بحق الأداء العلنى سواء تعلق الأمر بالمصنفات المشمولة بالحماية فيه أو الأشخاص أصحاب الحق فى ممارسته، وذلك دون أن تتناوله بالتعريف صراحة، بل تركت للتشريعات الوطنية الحرية الكاملة فى إقراره من عدمه، وكذا حرية تحديد الآلية التى يتم من خلالها تحديد إجراءات التحصيل والمبالغ المستحقة، الأمر الذى من شأنه أن يفسر موقف معظم التشريعات الوطنية فى اختزالها إلى الكيفية التى تصدت فيها بالتنظيم القانونى لهذا الحق، وذلك دون أن يكون موقفها واضحا، على الأقل فيما يتعلق بتحديد مدلول حق الأداء العلنى وطبيعته القانونية.


          ويمكن اعتبار التتبع وسيلة من الوسائل الناجحة التى تحقق حماية فعالة للمبدع، حيث يضطر كثير من المبدعين إلى التفريط فى حقوقهم المالية على مصنفاتهم تحت ضغط الحاجة والعوز وذلك فى مقابل مبالغ نقدية زهيدة، لا تكفى بالكاد ما أنفقوه على المصنف من مصروفات، وما تكبدوه فى سبيل خروجه إلى النور من مشقة وعناء وسهر، والتضحية بأولويات أخرى قد لا يسعهم تعويضها مستقبلا، وبالتالى يصبح حق التتبع المقرر قانونا فى بعض التشريعات، وسيلة يستطيع المبدع من خلالها تعويض جزء ولو ضئيل، مما فاته من كسب مالى مستحق .


          ويرتد البحث عن الجهة المخولة بتتبع استغلال المصنفات الفنية المشمولة بأحكام هذا الحق إلى مجموعة من العوامل الواقعية، يظهر من بينها صعوبة توقع المؤلف أو حتى علمه بكل عملية استغلال لاحق على أول تنازل يقع على المصنف الفنى، لذا يغدو ضروريا تعيين الجهة التى تتولى الحق والهدف الذى شرع لأجله والصفة فى ممارسة هذا الحق وذلك بقصد المواءمة بين مضمون هذا الحق والواقع العملى فى استغلال المصنفات المحمية، كما يذهب بعض القانونيين إلى أن حق التتبع يمتزج فى طبيعته بالحقوق الأدبية من حيث عدم قابليته للانتقال، وبالحقوق المالية من حيث أنه مبنى على التأقيت، ولا يعنى إعطاء الحق لأى جهة فى ممارسة هذا الحق لمصلحة المؤلف أو ورثته انتقال هذا الحق، ولا الإتفاق على مايخالف أحكام القانون، بل يتجاوز بكثير هذا التصور ليتأتى للمؤلف الاستئثار الأمثل بالمصنف المشمول بأحكام حق التتبع من قبل الجهات القادرة فعليا على التعاطى مع حيثيات هذا الحق على بساط الواقع. 


 ويفسر عدم إسناد بعض التشريعات صلاحية حق التتبع لأية جهة تتولى تلك الممارسات غياب السوابق القضائية والاجتهادات الفقهية وغيرها فى هذا المجال.


القواعد التى تحكم عمل جمعيات الإدارة الجماعية:


          تأسست أغلب جمعيات المؤلفين والملحنين قبل صدور قوانين خاصة بتلك الحقوق، وذلك وفقا للقواعد العامة التى تقررها القوانين العادية، ومنها قوانين الجمعيات الأهلية وقوانين وقواعد حق الملكية بمعناه العام، وضرورة تمكين المالك من الانتفاع بملكه ومنع الآخرين من هذا الأمر، بوصف الملكية حق جامع مانع ، فمارست تلك الهيئات الدفاع عن تلك الحقوق سواء بتحصيل مبالغ الاستغلال أو بتطبيق الحق فى التتبع أو بإصدارتراخيص الاستغلال استنادا الى القواعد العامة غالبا، واستنادا للاتفاقيات الدولية بهذا الشأن أحيانا.

        وفى خصوص حق التتبع فقد أولت بعض القوانين – كالفرنسى والإيطالى والألمانى – التى تعترف بحق التتبع إلى الهيئات أو الجمعيات المتخصصة –هيئات الإدارة الجماعية – فى مجال تحصيل وتوزيع المبالغ العائدة على أصحاب الحقوق عند تطبيق هذا الحق حيث نجد من هذه الهيئات: "رابطة نشر فنون الرسومات والفنون التشكيلية وجمعية الملكية الفكرية والتصميمات والنماذج فى فرنسا، وأيضا الجمعية الايطالية للمؤلفين والناشرين فى إيطاليا، وجمعية تحصيل المبالغ التى يتلقاها المؤلفون فى ألمانيا".

        كذلك الشأن فيما يخص تشريع حق المؤلف والحقوق المجاورة المغربى، حيث تضمن هذا الأخير التنظيم القانونى لنظام الادارة الجماعية صراحة فى المادة (60) منه تحت اسم "التسيير الجماعى" التى ورد فيها القول بأنه: "يعهد بحماية واستغلال حقوق المؤلف والحقوق المجاورة المبينة فى هذا النص إلى هيئة المؤلفين".  وإلى جانب ذلك ذهب التشريع اللبنانى إلى الأخذ بنظام الإدارة الجماعية لحقوق المؤلفين وأصحاب الحقوق المجاورة على الأعمال الأدبية والفنية المحمية، حيث تعزز هذه التدابير القانونية لدى هذه التشريعات الأهمية التى يحظى بها نظام الإدارة الجماعية فى تلك البلدان.


        وعندما ظهر حق المؤلف في فرنسا فإن استغلال الأعمال التي من الممكن إعادة انتاجها وتوزيعها، كان يضع صعوبات ومشكلات أمام مؤلفيها، وكان يكفيهم حينئذ أن يجدوا ناشرا وأن يعهدو إليه عن طريق التعاقد بنشر أعمالهم، وأن يتحققوا بشكل دورى من الحسابات ودقة وانتظام دفاتره، وأن يحصّلوا الحقوق المالية التى كانت من حقهم. ولكن هذه الأمور كانت دائما مغايرة بالنسبة للمصنفات الأخرى التي يمكن تنفيذها وإعادة إنتاجها، وبشكل رئيسى الأعمال الموسيقية والمسرحية، وذلك لأن نفس العمل يمكن أن يتم تقديمه في العديد من الأماكن البعيدة، بما فى ذلك أداءها وعرضها في نفس الوقت، حيث يمكن أن يتم تقديمها بشكل عام في أيامنا هذه لمرّات تقدر بالآلاف، وذلك عن طريق استخدام وسائل عديدة -منها الأقراص المدمجة، الراديو، التليفزيون، الكابلات، الأقمار الصناعية ....إلخ- أمام تعدد وتنوع كبير من المستمعين أو المشاهدين وفى كل دول العالم، لذا فالإدارة الجماعية للحقوق تسمح بمباشرة وإدارة وحل هذه المشكلة، وتطبيق الحق فى التتبع كذلك، وبفضل ذلك النظام فإن أصحاب الأعمال الابتكارية لهم أن يسمحوا لجمعيات الإدارة الجماعية بإدارة حقوقهم، بمعنى: مراقبة استغلال أعمالهم، والتفاوض مع المستخدمين المحتملين، وأن يمنحونهم تراخيص للبث مقابل دفع رسوم ملائمة، وذلك مع وضع القواعد العادلة والواضحة لتحصيل الرسوم وتوزيعها على أصحاب تلك الحقوق توزيعا عادلا.


        كما يوجد في فرنسا ما يقرب من ثلاثين جمعية لتحصيل وتوزيع حق الابداع، والتي يقوم نصفها تقريبا بإدارة حقوق المؤلف، فيما يتولى النصف الآخر إدارة الحقوق المجاورة. إن تخصص ومجال كل جمعية منها يعتبر تخصصا متميزا، ولكننا نقتصر هنا على تناول دور جمعية المؤلفين والملحنين وناشرى الموسيقى، كمثال، وذلك لأن تلك الجمعية العتيقة لتحصيل وتوزيع الحقوق تقوم بتجميع وتوزيع ما يقرب من 80% من حقوق المؤلف، الحقوق التي يتم إدارتها بشكل جماعي في فرنسا، ومن أجل تحصيل ثمرة استغلال واستخدام أعمالهم، فإنه يجدر بالمؤلفين والملحنين للأعمال الموسيقية الانضمام إلي جمعية المؤلفين والملحنين وناشرى الموسيقى من أجل أن يعهدوا إليها بإدارة حقهم في الأداء العلنى، وأن يعهدوا لجمعية إدارة الموسيقي بإعادة الإنتاج الآلى لأعمالهم، بطريق النسخ، الموجودة بالفعل أو الأعمال المستقبلية، وتلك الأعمال يتم حينئذ تسجيلها فى قائمة الجمعية، وكل شخص يقوم بالنقل أو النشر بشكل مباشر أو غير مباشر للعمل الموسيقى في إطار علنى (من خلال راديو أو تليفزيون أو ملهى أو عرض مرئى) يجب أن يعلن هذا الاستخدام، وأن يدفع حقوق الأداء العلنى المرتبطة بهذا الاستخدام إلى الجمعية، وهى المبالغ التى يتم دفع جزء منها للمؤلف، كما يحصل على كشف حساب لحقوقه المالية ويكون له حق الاطلاع على دفاتر الجمعية الخاصة بالتوزيع. ومن أجل تسهيل إدارة تلك الحقوق فإن الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين الذين يستخدمون بشكل واسع تلك الأعمال الموسيقية، يوقعون أمام جمعية المؤلفين والملحنين وناشرى الموسيقى على عقد -هو فى حقيقته يعد بمثابة ترخيص- يسمح لهم بتقديم وعرض كل الأعمال الموجودة فى قائمة الجمعية، وذلك إما مقابل مبلغ جزافى، أو مقابل نسبة مئوية من ايرادات الاستغلال.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق