
الإعلام .. والجريمة
بقلم : دسوقي عبدالله
المدقق فى علاقة الاعلام بالجريمة .. يستطيع ان يلاحظ ثمة ملاحظات معينة حول المعالجة الاعلامية للقضايا الاجرامية .. سواء أكانت فى الاعلام المطبوع او المرئى او المسموع ... او حتى فى الاعلام البديل او الحديث الذى ظهر مؤخرا.
فيبدو من البداية ان الاعلام يروج للجريمة فى المجتمع بنشر الجرائم المختلفة مصدرا احكاما استباقية .. على المدانين فى القضايا المختلفة ... معتبرهم انهم مدانين فى الاتهامات الموجهة ،لهم متغافلين القاعدة القانونية التى تقول ان المتهم برئ حتى تثبت ادانته .
إلا ان الاعلام على العكس من تلك القاعدة .. يعتبر الاعلام ان المتهم مدان حتى تثبت برائته .. وليس ذلك فحسب .. بل نجد فى كثير من الاحيان وسائل الاعلام المختلفة .. تشوه الواقع الاجتماعى للمجتمعات المختلفة وتروج للجرائم المختلفة مثل القتل والمخدرات والاغتصاب .
إلا اننى وخلال عملى الطويل كمحر للجريمة .. كنت اصب كل تركيزى على الظروف والملابسات المختلفة للجرائم المختلفة .. ايمانا منى وعقيدة ان المجرم لا يولد مجرما .. انما تدفعه ظروف معينة الى ارتكاب الجرائم .. تحت ضغوط اجتماعية واقتصادية تجعل منه شخصا غير سوى .
وهذه القصة التى اسوقها غدا فى مقالى كلمات رنانة .. تحت عنوان المكتوب والمقسوم .. خير دليل على ذلك .. فنرى الزوجة الجميلة المخلصة تدفع ثمنا باهظا لاخلاصها لزوجها وحبيبها .. والذى يدفع بها الى السجن مدعيا انها وضعت له السم فى الطعام لتتخلص منه .. لحبها لشخص اخر.
ومن خلال فحصى وتدقيقى الشديد واجرائى لمعلومات توضيحية حول القضية ..توصلت الى الظروف التى دفعت الزوج الى اتهام زوجته بهذا الاتهام ..
وبدون الخوض فى التفاصيل ترقبوا القصة كاملة .. والتى ادت الى معرفة فريق التحقيق فى الشرطة والنيابة وقتها الحقيقة كاملة ...... المكتوب والمقسوم .. موضوعنا ... هيا الى القراءة :
المكتوب .. والمقسوم
"بين اهات الحاضر .. وحلم الماضى .. ووعورة الطريق الى المستقبل الذى أصبح مجهولا ..جلست إلى نفسها تحكى لها عما دارلها .. وتنشدها الحكمة والتروى .. بعدما قاسته من غدر الاحباب والزمان .. كان السيناريو قاسيا والقصة مؤلمة .. داخل ملف كبير .. الفرحة فيه بضعة سطور .. بينما سطرت الاحزان والدموع باقى صفحاته "
هى فتاة صغيرة وجميلة .. شعرها اصفر ذهبى كلون الشمس ساعة الاصيل .. ينساب على كتفيها فى خيلاء وكبرياء .. عينيها زرقاوين تسحركل من يقف امامها .. الطير يغرد فرحا من شدة جمالها .. رزق الله بها والدها بعد رحلة طويلة مع الانجاب .. وعندما ولدت أقام الشيخ الكبير الافراح .. وذبح الذبائح إبتهاجا بهذا اليوم السعيد فى حياته .. اطلق عليها (( سماح )) ..عاشت الصغيرة طفولة مدللة , كل طلباتها مجابة ، فالخير كثير والمال وفير، كل شئ مجاب لها ، وتكبر سماح وتصل الجامعة ، ويأبى والدها إلا ان يشترى لها سيارة تقيها صعوبة المواصلات ،
وتدخل سماح عالم الجامعة لاول مرة .. تشعر بالغربة فى بادئ الامر .. لكنها سرعان ما تتعود على هذه الطقوس التى ألفتها فيما بعد ..وتمضى شهور قصيرة تثبت فيها الابنة جدارتها بثقة والدها وتجتاز الامتحان بجدارة .. وبتفوق كبير .. وتجلس الاسرة الصغيرة .. فى فناء القصر الريفى الذى شيده الاب خصيصا لابنته ..تستقبل وفود المهنئين من أبناء العائلة والقرية .. بعضهم من جاء للتهنئة والاخرجاء يلتمس بركات الست الحاجة التى تجود بكل ما تملك على اهل القرية .. رفرفت الفرحة على جنبات المنزل الريفى الكبير وتعالت الزغاريد مدوية .. وجلس الاهل والاحباب حول سماح يحفونها ويدعون لها .. بدوام التفوق .. ومن بين الجالسين وقعت عيناها عليه .. شاب وسيم .. يبدو عليه الحياء والخجل بشدة .. يحاول ان يختفى بين الحاضرين حتى لا تقع عيناها عليه .. فتسحره وتاخذه إغماءة العشق .. وعندما إستدارت الى ناحية أخرى إسترعى إنتباهها انه يسترق النظر منها فتظاهرت بالحديث إلى إحدى زميلاتها .. وفجاة نظرت إليه .. فالتقت العيون الساحرة .. بعيونه النهمة الباحثة عن العشق والحب فى قصور ملكية .. ركائزها الجاه والسلطان .. احست هى بما يعتمل فى صدره .. من مشاعر .. وإنفض الفرح الكبير .. واوت الى فراشها .. اغلقت الباب عليها .. وإرتمت على مضجعها .. حاولت ان تنام .. لكن النوم أبى ان يداعب جفنيها .. ظلت ساهرة حتى الصباح .. طيف هذا الشاب لم يبرح خيالها طيلة ليلتها .. وفى الصباح تناولت طعام الافطار فى الفناء الواسع .. سألت خادمتها عنه .. اجابتها انه إبن احد أقرباء والدها .. لكنه من الفرع الفقير ..حصل منذ سنوات على بكالريوس التجارة ..لكنه لم ينتظر الحكومة .. قرر الرحيل الى احدى الدول البترولية .. وعاد منذ ايام محملا بالدولارات .
كانت هذه المعلومات بالنسبة لها كافية .. فجلست وسط الزهور تفكر فيه بشدة .. اعجبها خجله الجم .. وبينما هى فى خيالها .. اذا به واقف امامها .. هالها ما رأته .. نست ما هى فيه .. إسترجعت ذاكرتها مرة اخرى .. أدركت انه الواقع الذى تعيشه .. إنتظرت ان يحدثها .. لكنه وقف صامتا .. بعد ان فقد لباقته المعهودة على اعتابها .. حاولت ان تتحدث .. لكن هربت الكلمات من على شفتيها .. وصمت الجميع .. وتحدثت العيون .. وقال الحب كلمته .. واحتوته بين جنبات قلبها .. وبين شواطئه المترامية .. واحتضنها هو بين سكنات نفسه .. ألبسها روحه .. فإذا ما خرجت هى خرجت الروح خلفها .. وبصعوبة بالغة تحدث .. فوجدته يسألها عن والدها .. اجابته أنه يستعد للنزول .. أراد الخروج .. لكنها إقترحت عليه ان يجلس معها لتتعرف عليه .. جلس على استحياء منها .. يحكى لها قصة كفاحه .. وطموحه الذى لا يتوقف .. عند حد .. وكيف انه استطاع ان يشيد لوالده بيتا كبيرا .. على غرار فيلتهم .. وينقله من الفقر الذى كان يحيط به .
قصة كفاحه مع الحياة لفتت انتباهها .. انه رجل بمعنى الكلمة .. لم يستسلم للظروف القاسية .. قرر ان يتخطاها .. وإستطاع ان ينتصرعليها .. بعزيمته وارادته .. وجود الاب بينهما حال دون سريان حديثهما .. إلى منتهاه .. قطع عليهما ما كانا فيه .. وبسرعة إنفض الحديث .. كما بدأ .. وأسرع هو خارجا .. لكن شيئا ما كان يدور داخل نفسه .. وفى المساء حضر مع والده يطلب يدها .. من والدها قائلا فى خجل .
بصراحة يا عمى انا جاى النهارده اطلب إيد بنت حضرتك الانسة سماح
ايوه يا ابنى بس الجامعة
لا ما إحنا حنجيب الشبكة والزواج بعد ما تخلص
طيب يبنى على بركة الله .. يالله نقرا الفاتحة
وبعد قراءة الفاتحة .. تمت الخطبة .. اشترى لها خالد .. كل ما تمنت .. تعلقت سماح به الى حد الجنون ..اصبح اسمه على لسانها فى كل وقت .. كل ما كان يؤرقها هو رفض والدتها لعريس من عائلة زوجها .. كانت تريد لابنتها عريسا من اقاربها .. ابن شقيقتها المهندس .. لكن الازمة تمر بسلام بعد ان حسم الاب الامر .. وكانت كلمته هى العليا ..
ايام قليلة ويسافر خالد .. مرة اخرى .. حاولت معه ان تعدله عن قراره بالرحيل .. فلماذا يسافر .. وكل شئ متوفر .. الفيلا الراقية .. وافخر الاثاث .. واغلى الحلى .. لكنه وضع يده على فمها طالبا منها ان تتوقف ..عن الحديث .. فهو لن يقبل .. مليما واحدا من اموال والدها .. كما انه لن يقيم فى معها فى الفيلا مع اسرتها .. بل هى التى ستذهب لتقيم معه فى منزله الذى شيده بعرقه ودمائه ..واحترمت ارائه ..وزاده ذلك قدرا عندها .. وادركت انها احسنت الاختيار .. وعلى سلالم الطائرة المتجهة الى الخليج .. تشابكت ايديهما .. وإحتضنت مأقيهما الحب بينهما .. واقلعت الطائرة ومعها اقلع قلبها .. وعادت مع والدها صامتة حزينة .. لكن اباها اخرجها عن ذلك .. قال لها .. كلها بضعة سنين ويعود مرة اخرى .. وإنهمكت فى دراستها .. وبين كتبها ..لكن خطاباتها وخطاباته لم تتوقف .. بين سطورها وكلماته .. كانت تراه .. يضحك ..يعمل .. يفرح .. ينظر اليها يقول لها .. انتى حبى الاول والاخير ..
وتمر السنون وتنتهى سماح من دراستها .. وترسل اليه خطابا .. تقول فيه .. خالد .. حبيبى إرجع بسرعة .. انا خلصت الكلية .. إرجع بسرعة ..انا فى انتظارك .. حبيبتك سماح .. ويحجز هو على اول طائرة .. وتستقبله فى المطار كما ودعته .. نيران الشوق افقدتها وعيها لم تدر بنفسها إلا وهى تبكى على صدره .
اسابيع قليلة ويتم الزفاف .. كان الموكب يليق بإبنة الحسب والنسب .. دقات الطبول لم تتوقف ..زغاريد النساء تهز الحفل .. الفرحة عمت الجميع .. توقف الموكب امام منزل العريس ..صعدا معا الى غرفتهما .. جلس اليها يحدثها عن حلمه الذى تحقق .. عن حبه الشديد لها ..عن شوقه الزائد .. ومثل اى فتاة فإن ليلة الدخلة .. تمثل مذاقا خاصا عندها .. لكن هذه الليلة لم تكن ليلة عادية فى حياة سماح .. توقفت عندها عقارب الزمن افجعتها المفاجاة ..زوجها عاجزعن معاشرتها .. وفى الصباح وصلت جموع المهنئين .. تظاهرت بالسعادة .. لم تشأ ان يلاحظ احد اى تغيير حتى والديها .. فهو بالنسبة لها شئ كبير .. ولا تريد ان تطعنه امام الناس فى رجولته .. ومرت الايام والشهور دون ان يعلم احد باى شئ عما يدور بينهما .. لكن حاله تبدل .. جلس اليها يعترف والدموع تذرف من عينيه .. قال لها انه اثناء وجوده بالخارج تعرض لحادث سيارة .. نتج عنه كسر فى العمود الفقرى .. لكنه لم يشأ ان يخبرها وقتها خشية عليها .
لكنها مدت يدها اليه تمسح دموعه .. تخبره انها لن تتركه .. ستظل معه حتى نهاية العمر .. تعيش معه الحياة بحلوها ومرها .. وسارت الايام بينهما .. القلق استبد به .. الشك بدأ يحرق داخله .. سأله الشيطان ما الذى يدفع فتاة مثلها وفى جمالها .. الرائع وانوثتها الطاغية .. ان تصبر على معاشرته .. إلا إذا كانت على علاقة بأخر.. بدأ فى مضايقتها .. ومراقبتها بصورة اقلقتها .. حتى انها طلبت منه الطلاق .. فكان جزاؤها علقة ساخنة .. لم يتوقف الامر عند هذا الحد .. بل انه حبسها فى غرفتها .. حتى لايراها احد .. ظلت تصرخ وتصرخ .. حتى فتح لها الباب .. ارادت ان تخرج لكنه أبى .. قال لها انها ملكه ولن يستطيع احد ان يأخذها منه ..مهما كان الثمن .
تظاهر بالشعور بمغص شديد .. نقلوه الى المستشفى .. وهناك طلب الشرطة .. اخبرهم ان زوجته وضعت له السم فى الشاى لتتخلص منه .. وعندما سألوه عن السبب أخبرهم انها ترفض معاشرته .. وتفضل عليه شخص اخر .. ألقت الشرطة القبض عليها .. واجهتها بإتهامات زوجها لها ..لكنها لم تنبس بكلمة واحدة .. وإكتفت بالبكاء .. بينما محاميها يدافع عنها .. فى الوقت الذى إحتفظت فيه بسر زوجها معها .. حفاظا على الحب الذى كان يوما ما بينهما .. شريط طويل من الذكريات دار امام عينيها .. لم تفق من شرودها إلا على سؤال وكيل النيابة لها .. هل لديك اقوال اخرى .. فأشارت بيدها بالنفى .. وعادت الى منزل والدها .. ايام قليلة ويظهر تقرير الطب الشرعى الذى يؤكد خلو المادة التى زعم الزوج انها مسمومة .. من السم .. لتظهر براءة الزوجة .. وذات يوم .. كانت فيه الشمس ترحل على إستحياء .. السماء بدات فى الإمطار.. الجو ملبد بالغيوم .. الامطار تبلل شوارع القرية .. حتى اثر الجميع الجلوس فى منازلهم .. لكن شخصا كان يسير بمفرده .. تنزف عيناه الدموع مشاركة للسماء .. قلبه يعتصر حزنا على ما أل إليه حاله ..يفكر كيف وصل به الامر الى هذا الحد كيف يفعل بها ما فعل .. وهى فى قمة ازمتها .. تحافظ عليه .. ترفض ان تبوح بسره فى محاضر التحقيق .. حتى لاتخدش حياءه .. ترى هل ما زالت على عهدها معه ؟ هل ما زالت تحبه ؟ كيف تنساه وهو الحب الوحيد فى حياتها .. اسئلة كثيرة حاصرته .. اعتصرته .. بل كادت تبدده .. فأراد التخلص منها .. فجأة وجد نفسه امام فيلتها .. نظر الى غرفتها فوجدها مضاءة .
صعد السلالم بسرعة وسط ذهول الاب ودهشة الام .. كانت هى تجلس مع نفسها تحدثها عما حدث لها .. وتنشدها ألا تكرر ما حدث .. وتقص عليها السيناريو المؤلم الذى انتهى نهاية حزينة ، مشاهد حزينة سادت امام عينيها الجميلتين .. أبت ألا تتذكرها حتى لا تؤلمها .. صراعات داخلية بينها وبين نفسها حول نفسها .. وبينما هى كذلك اذا به يقف امامها .. همس بصوت تخالجه الدموع .
سماح
خالد
ايوه انا خالد .. انا غلطان وجاى أرجع اللى فات يا سماح
خلاص يا خالد ماعتش ينفع
ليه بتقولى كده
بعد اللى حصل الطلاق هو الحل
ارجوكى يا سماح .. فكرى ألف مرة قبل ما تنطقى بالكلمة دى
انا فكرت كتير .. لو سمحت يا خالد ان كنت لسة بتحبنى طلقنى
خلاص يا سماح كل شئ إنتهى
ايوه يا خالد
طيب ... انت طالق
ودارت الدنيا من تحتها بعد سماعها لهذه الكلمة التى غلفت اذنيها بضجيج واسع .. شعرت أنها لم تعد تسمع بعده .. حاولت ان تتحرك من مكانها لكنها لم تستطع .. إسودت الدنيا امام عينيها .. سألت نفسها ماذا فعلت فى دنياها لتلقى هذا الجزاء .. جلست وحدها بين أهات الحاضر .. وحلم الماضى .. والمستقبل المجهول الذى ينتظرها .. والحب الذى رحل عن قلبها ..
إستدارت من مكانها ببطء شديد .. فتعلقت عيناها على صورة لها معه وهى ترتدى فستان الزفاف فأجهشت فى بكاء عميق .. ورددت حقا .. إنه المكتوب والمقسوم ،،،،،،،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق