مدونة ذات طابع إخباري تقدم تغطية شاملة لكل ما يخص الشأن المصري..
(سياسية - اقتصادية - صناعية - زراعية - رياضية - سياحية - ثقافية - فنية - مشروعات قومية)

الأخبار

الاثنين، 4 سبتمبر 2017

بلا قيود - الحرب الكورية -

الصراع علي السلطة - 8 -

بقلم : صبحي وحيد
نتفق أو نختلف حول ما حدث في السنوات الست الأخيرة في منطقتنا العربية من صراعات وحروب وأحداث وثورات بين كونها نتاج لمؤمرات ومخططات خارجية أو حركات شعبية أو بفعل نظم استبدادية.. ولكن المتأمل في التاريخ والمتابع لما يحدث علي الساحة العالمية يدرك أنها نتيجة لكل العوامل السابقة مجتمعة، ولا تخرج عن إطار الحرب الباردة بين القوي العظمي التي تحكم وتتحكم في العالم، والتي تشهد مؤخرا تغيرا خطيرا في موازين القوي ..

ويبدو أن تلك الحرب الباردة سوف تأخذ منحني أخر قد يؤدي إلي حرب عالمية ثالثة تشمل مساحات ودول مختلفة حول العالم ومن مؤشرات هذه الحرب ما يحدث الأن من صراع بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية..

والسطور القادمة تحمل في طياتها تاريخ الصراع الممتد علي شبة الجزيرة الكورية :



الحرب الكورية

كوريا تحررت من الحكم الياباني سنة 1945 ، لكنها انقسمت إلى قسمين: كوريا الشمالية الشيوعية، التي حررها الاتحاد السوفيتي، وكوريا الجنوبية، التي حررتها الولايات المتحدة الأمريكية، يفصلهما خط عرض 38، وذلك منذ 1947. لكن في العام 1950 اندلعت حرب أهلية بين الكوريتين وتحول الصراع البارد إلى ساخن حيث كان المعسكر الشرقي داعما لكوريا الشمالية والمعسكر الغربي داعما لكوريا الجنوبية.

كوريا 1950-1953: الحرب التي فتكت بـ 5 ملايين انسان

جنود أمريكيون يستخدمون قاذفة لهب ضد القوات الكورية الشمالية

اندلعت الحرب الكورية في الـ 25 من حزيران / يونيو 1950، عندما اندفع نحو 75 الفا من جنود جيش الشعب الكوري الشمالي عبر الحدود مع كوريا الجنوبية والتي كانت تعرف بخط العرض 38، والذي كان يمثل الحدود بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية المدعومة من قبل الاتحاد السوفيتي الى الشمال، وجمهورية كوريا الموالية للغرب في الجنوب.

وكان الزعيم الكوري كيم إيل سونغ أعلن قيام جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في عام 1948، أي بعد 3 سنوات من زوال الاستعمار الياباني لشبه الجزيرة الكورية عند انتهاء الحرب العالمية الثانية واستسلام اليابان للحلفاء.

وكان الغزو الكوري الشمالي للجنوب أول عمل عسكري في حقبة الحرب الباردة.

وتدخل الأمريكيون في الحرب في تموز / يوليو 1950 الى جانب كوريا الجنوبية. وكان المسؤولون الأمريكيون ينظرون الى تلك الحرب على انها حرب مع القوى الشيوعية العالمية.

وعقب كر وفر عبر خط العرض 38، دخل القتال مرحلة جمود، وتزايدت اعداد القتلى والجرحى دون أي نتيجة.

في غضون ذلك، كان المسؤولون الأمريكيون يحاولون جاهدين التوصل الى هدنة مع الكوريين الشماليين، إذ كانوا يخشون أن البديل سيكون حربا أوسع نطاقا تشمل الاتحاد السوفييتي والصين أو حتى اندلاع حرب عالمية ثالثة.

واخيرا، وفي تموز / يوليو 1953، وضعت الحرب الكورية أوزارها، ولكن ليس قبل ان تفتك بأرواح حوالي 5 ملايين شخص من مدنيين وعسكريين.



الجنرال دوغلاس ماك آرثر ورئيس كوريا الجنوبية سينغمان ري

الكوريتان
ينسب الى وزير الخارجية الأمريكي ابان الحرب الكورية دين أتشيسون قوله "اذا حاولت افضل الأدمغة في العالم ان تجد لنا أسوأ موقع في العالم لخوض هذه الحرب الملعونة، لكانوا أجمعوا على كوريا."

منذ بداية القرن العشرين وشبه الجزيرة الكورية جزء من الامبراطورية اليابانية التي احتلتها عام 1910.

أعلن الاتحاد السوفيتي الحرب على اليابان في أغسطس / آب 1945 بعد ان توصلت الى اتفاق بهذا الشأن مع الولايات المتحدة، ونجح في تحرير كوريا الى حد خط العرض 38.

وبعد الحرب العالمية الثانية كان على الأمريكيين والسوفيت الاتفاق على التصرف بممتلكات تلك الامبراطورية المدحورة.

وفي آب / أغسطس 1945، عمد موظفان صغيران في وزارة الخارجية الأمريكية الى تقسيم شبه الجزيرة الكورية متخذين من خط العرض الـ 38 اساسا لذلك.

واحتل السوفييت المنطقة الواقعة الى شمال هذا الخط، بينما احتل الأمريكيون المنطقة الواقعة الى جنوبه.

وبنهاية عقد الاربعينيات، كانت دولتان قد نشأتا في شبه الجزيرة الكورية، ففي الجنوب، كان الديكتاتور المعادي للشيوعية سينغمان ري يتمتع بدعم أمريكي، بينما في الشمال كان الديكتاتور كيم إيل سونغ يحظى بمساندة السوفيت القوية.

ولكن لم يكن أي من الزعيمين راضيا بالبقاء في جانبه من خط العرض 38، إذ كانا يعتبران نفسيهما الممثل الشرعي لكامل كوريا، ولذا كثرت الاشتباكات الحدودية بين الطرفين واصبحت أمرا دارجا.



 مدنيون كوريون يهربون من الحرب


قتل نحو 10 آلاف من العسكريين الجنوبيين والشماليين في هذه المناوشات حتى قبل اندلاع الحرب بشكل رسمي.

مع ذلك، فاجأ الغزو الكوري الشمالي للجنوب المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا يعتقدون أن النزاع ليس مجرد نزاع حدودي بين نظامين ديكتاتوريين غير مستقرين في منطقة نائية من العالم، بل كان الكثير منهم يخشون من أنه يمثل الخطوة الأولى من حملة شيوعية تهدف الى الهيمنة على العالم. ولذا، فالامتناع عن التدخل في الحرب لم يكن واردا بالنسبة للكثيرين من صناع القرار الامريكيين آنذاك.

في الـ 25 من حزيران / يونيو 1950، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارا اعتبر بموجبه التدخل الكوري الشمالي غزوا ودعا الى وقف فوري لإطلاق النار.

وفي الـ 27 من الشهر نفسه، أصدر مجلس الأمن قراره 83 الذي قرر فيه ارسال قوات دولية الى كوريا. هبت 21 من الدول الاعضاء في المنظمة الدولية (الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وتركيا واستراليا واثيوبيا والفلبين ونيوزيلندا وتايلاند واليونان وفرنسا وكولومبيا وبلجيكا وجنوب افريقيا وهولندا ولوكسمبورغ) وساهمت في هذه القوات "الأممية"، التي شكلت القوات الأمريكية 88 بالمئة من قوامها.

قال الرئيس الأمريكي (الديمقراطي) آنذاك هاري ترومان، "اذا خذلنا كوريا، سيواصل السوفيت تقدمهم وسيبتلعون البلد إثر الآخر."

كان الصراع في شبه الجزيرة الكورية بالنسبة للأمريكيين رمزا للصراع بين الشرق والغرب، وبين "الخير والشر."

ولذا، وبينما كان الجيش الكوري الشمالي يحتل العاصمة الجنوبية سول، أعدت الولايات المتحدة قواتها لحرب ضد الشيوعية بحد ذاتها.

كانت الحرب الكورية في أول الأمر حربا دفاعية تهدف الى اخراج القوات الكورية الشمالية من كوريا الجنوبية. لم يحقق الحلفاء الغربيون نتائج مرضية في المراحل الأولى. فقد كان الجيش الكوري الشمالي جيشا منضبطا ومدربا تدريبا جيدا ومزودا بما يحتاج من معدات وسلاح.

أما قوات سينغمان ري، فكانت على عكس ذلك خائفة ومضطربة وميالة للفرار من ساحات المعارك في أي مناسبة.

كما دارت تلك المعارك في صيف ارتفعت فيه درجات الحرارة الى معدلات قياسية، بحيث اضطر الجنود الأمريكيون العطشى الى شرب الماء من مزارع الرز التي استخدمت فيها الاسمدة العضوية، ولذا اصيب الكثير منهم بالتهابات معوية وغيرها من الأمراض.

بنهاية صيف عام 1950، كان الرئيس الأمريكي ترومان والقائد العسكري المكلف بالإشراف على القتال في الساحة الآسيوية الجنرال دوغلاس ماك آرثر قد اتفقا على اهداف محددة للحرب.

تحولت بذلك الحرب الكورية الى حرب هجومية هدفها "تحرير الشمال من الشيوعيين."



الرئيس الأمريكي هاري ترومان

نجحت هذه الاستراتيجية مبدئيا في تحقيق اهدافها، فقد أفلح انزال برمائي في انشيون في كوريا الجنوبية في طرد الكوريين الشماليين من سول وانسحابهم الى شمالي خط العرض 38.

ولكن، وبعد ان عمد الأمريكيون الى اجتياز الحدود والتوجه الى نهر يالو (الذي يمثل خط الحدود بين كوريا الشمالية والصين)، بدأ الصينيون بالتعبير عن قلقهم ازاء ما وصفوه "بالعدوان المسلح على الاراضي الصينية."

ولذا قام الزعيم الصيني ماو تسي تونغ بإرسال قواته الى كوريا الشمالية وحذر الولايات المتحدة بضرورة الابتعاد عن نهر يالو الا اذا كانت تريد خوض حرب شاملة.

وبالفعل، وفي تشرين الأول / اكتوبر 1950، عبرت قوات صينية نهر يالو وانخرطت في الحرب الى جانب كوريا الشمالية.

أدى التدخل الصيني الى تقهقر "القوات الدولية"، التي انسحبت وواصلت تقهقرها الى اواسط عام 1951.



الزعيم الصيني ماو تسي تونغ

لم يكن هذا أمرا يريده الرئيس ترومان ومستشاروه، فقد كانوا متأكدين بأن توسيع الحرب سيؤدي لا محالة الى تحرك سوفيتي في أوروبا واستخدام أسلحة نووية وملايين الخسائر.

ولكن الجنرال ماك آرثر كان يرى أن أي حرب اضيق نطاقا من حرب شاملة تعتبر "تنازلا" للشيوعيين.

فبينما كان الرئيس ترومان يعمل كل ما في وسعه لتجنب الحرب مع الصينيين، كان ماك آرثر يبذل كل ما لديه من جهود لإذكاء حرب كهذه.

وأخيرا، وفي آذار / مارس 1951، بعث ماك آرثر برسالة لزعيم الجمهوريين في مجلس النواب جوزيف مارتن - الذي كان يؤيد موقف ماك آرثر باعلان الحرب على الصين - قال فيها إنه "لا يوجد بديل للنصر" في الحرب على الشيوعية العالمية.

كان ماك آرثر واثقا بأن محتويات الرسالة ستسرب الى الصحف، ولكن بالنسبة لترومان كانت تلك الرسالة هي القشة التي قصمت ظهر البعير. وفي الـ 11 من نيسان / ابريل 1951، طرد ترومان ماك آرثر بتهمة التمرد.

في تموز / يوليو 1951، شرع الرئيس ترومان وقادته العسكريون الجدد في مفاوضات للسلام جرت في قرية بانمونجوم الحدودية بين الكوريتين، ولكن القتال استمر في منطقة خط العرض 38 بعد ان تعثرت المفاوضات.

وكانت عقدة الخلاف بين الجانبين تتمثل في وجوب اجبار الأسرى الكوريين الشماليين والصينيين على العودة الى بلدانهم، إذ كان الصينيون والكوريون الشماليون يصرون على ذلك، بينما رفض ذلك الأمريكيون.

ولكن أخيرا، وبعد اكثر من سنتين من المفاوضات وقعت الأطراف المتحاربة على اتفاق للهدنة في الـ 27 من تموز / يوليو 1953 سمح للأسرى بالتوجه الى البلد الذي يرغبون، ومنح كوريا الجنوبية مساحة أرض اضافية تبلغ مساحتها 1500 ميل مربع قرب خط العرض 38 وشكّل "منطقة منزوعة السلاح" يبلغ عرضها ميلان ما زالت موجودة اليوم.

كانت الحرب الكورية حربا قصيرة، ولكنها اتسمت بدموية استثنائية، فقد قتل فيها اكثر من 5 ملايين انسان اكثر من نصفهم من المدنيين شكلوا 10 بالمئة من مجموع سكان الكوريتين. وكانت نسبة الخسائر تلك أعلى من الخسائر المدنية في الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام، كما قتل في الحرب نحو 40 الفا من العسكريين الأمريكيين وجرح فيها أكثر من 100 الف منهم.

الحرب الأولى التي حصلت بعد الحرب العالمية الثانية، وهي أول حرب خلال الحرب الباردة بالوكالة يقودها كل من المعسكر الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفيتي والصين الشيوعية من جهة والمعسكر الرأسمالي الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، استمرت ثلاث سنوات، لكنها لم تنجح في تحقيق أي إنجاز يُذكَر سواء للطرفين المتصارعين المحليين أو القوى العظمى الداعمة لهما.. إنها الحرب الكورية.

شكلت الحرب الكورية محاولة للالتفاف على نتائج الحرب العالمية الثانية التي قسمت بنتيجتها شبه الجزيرة الكورية إلى قسمين، شمالي خاضع للاتحاد السوفيتي، جنوبي خاضع للولايات المتحدة الأمريكية، لكن المحاولة التي بدأتها كوريا الشمالية في عام 1950.. باختراق الحدود كانت قد نجحت كوريا الجنوبية بإفشالها مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية تحت ستار منظمة الأمم المتحدة، وبالنهاية العودة للحدود المرسومة بين الكوريتين الشمالية والجنوبية وهي خط العرض 38.

أطلق على الحرب الكورية التي امتدت بين عامي 1950- 1953 العديد من الأسماء، منها:

عمل الشرطة، أطلقه الرئيس الأمريكي هاري ترومان، للدلالة على أن الولايات المتحدة الأمريكية مارست تحت مظلة الأمم المتحدة دور الشرطي ضد اختراق كوريا الشمالية لحدود كوريا الجنوبية.
النزاع الكوري، أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية، كي لا يضطر الرئيس الأمريكي لأخذ موافقة الكونغرس على دخول الحرب إلى جانب كوريا الجنوبية.
الحرب المنسية، بسبب عدم اهتمام الرأي العام العالمي بها، كما حصل مثلاً بالنسبة للحرب العالمية الثانية التي امتدت بين عامي (1939- 1945).
حرب الخامس والعشرين من شهر حزيران/يونيو، أطلقته كوريا الجنوبية على هذه الحرب، وهو نفس تاريخ بدء غزو قوات كوريا الشمالية لأراضي كوريا الجنوبية.
حرب تحرير الوطن، أطلقته كوريا الشمالية لتبرير غزوها لأراضي كوريا الجنوبية.
حرب مقاومة العدوان الأمريكي ومساعدة كوريا، أطلقته الصين على الحرب الكورية، لتبرير دعمها لكوريا الشمالية.

شبه الجزيرة الكورية قبيل الحرب العالمية الثانية
كانت شبه الجزيرة الكورية دولة مستقلة حتى عام 1895، حيث احتلت اليابان جزءاً من أراضي شبه الجزيرة الكورية منتشية بانتصارها على الصين في الحرب اليابانية الصينية التي امتدت بين عامي (1894- 1895)، في عام 1904 وقعت الحرب اليابانية الروسية التي امتدت حتى عام 1905، وكانت النتيجة انتصار اليابان وهزيمة روسيا، فاستغلت اليابان موقفها القوي هذا واحتلت شبه الجزيرة الكورية لتعلن في شهر آب/أغسطس من عام 1910 ضم كوريا لليابان.


شبه الجزيرة الكورية في الحرب العالمية الثانيةبقيت شبه الجزيرة الكورية تحت الاحتلال الياباني خلال الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1945 انعقد مؤتمر يالطا في شباط/فبراير من عام 1945، حيث وافق الاتحاد السوفيتي بزعامة ستالين على إعلان الحرب على اليابان بعد أسبوعين من استسلام ألمانيا، مقابل إطلاق يد الاتحاد السوفيتي في الصين التي حصلت فيها لاحقاً الثورة الشيوعية التي تمكنت من الوصول إلى السلطة في هذا البلد بزعامة ماوتسي تونغ وذلك في عام 1949، تضمن الاتفاق أيضاً احتلال الاتحاد السوفيتي للقسم الشمالي من شبه الجزيرة الكورية مقابل احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للجزء الجنوبي ووُضعت حدود القسمين عند خط العرض 38.

في السادس من شهر آب/أغسطس عام 1945 أعلن الاتحاد السوفيتي الحرب على الإمبراطورية اليابانية محتلاً الجزء الشمالي من شبه الجزيرة الكورية، كما احتلت الولايات المتحدة الأمريكية الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة، بالتالي قُسمت كوريا إلى جزئين، شمالي؛ تحت الاحتلال السوفيتي، جنوبي؛ تحت الاحتلال الأمريكي.

كوريا بعد الحرب العالمية الثانية
وضعت الحرب العالمية أوزراها باستسلام اليابان في الأول من شهر أيلول/سبتمبر عام 1945، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي بتشكيل لجنة مشتركة مؤقتة لحكم كوريا مدتها خمس سنوات تمهيداً لمنح كوريا الاستقلال، لكن هذا الاتفاق لم يرض الكوريين الذين بدأوا بالاحتجاج على بقاء الاحتلالين الأمريكي والسوفيتي لأراضيهما، استمرت هذه الاحتجاجات حتى عام 1946 حيث أدركت الولايات المتحدة الأمريكية عجز اللجنة الأمريكية السوفيتية عن ضبط الأوضاع في كوريا، فقررت إجراء انتخابات تمهد لمنح كوريا الاستقلال، لكن الاتحاد السوفيتي رفض هذه الانتخابات بحجة أنها لن تكون عادلة ونزيهة، فحصلت الانتخابات في كوريا الجنوبية في العاشر من شهر أيار/مايو عام 1946، وبعد ثلاثة أشهر أي في الخامس والعشرين من شهر آب/أغسطس عام 1946، أجرى الاتحاد السوفيتي انتخابات في كوريا الشمالية، بذلك تكرس التقسيم في شبه الجزيرة الكورية.

الكوريتان من الإحتلال إلى الإستقلال
أصدرت الحكومة الكورية الجنوبية دستوراً سياسياً في السابع عشر من شهر تموز/يوليو عام 1948، وانتخب لي سونغ مان رئيساً للجمهورية في العشرين من شهر تموز/يوليو عام 1948، أما في كوريا الشمالية أصبح كيم إيل سونغ رئيساً في الخامس عشر من شهر آب/ أغسطس عام 1948.

بعد استقرار النظام السياسي في الكوريتين الشمالية والجنوبية، سحب الاتحاد السوفيتي قواته من كوريا الشمالية في عام 1948، تبعه سحب القوات الأمريكية لقواتها من كوريا الجنوبية في العام التالي، أي في عام 1949، بذلك تحولت الكوريتان من دولتين تحت الاحتلال إلى دولتين تابعتين للقوى التي كانت تحتلهما، حيث حكم كوري شمالي موالي للاتحاد السوفيتي، وحكم كوري جنوبي موالي للولايات المتحدة الأمريكية.

الكوريتان عشية الحرب لتوحيدهماسعى رئيس كوريا الشمالية كيم إيل سونغ منذ وصوله للسلطة إلى توحيد شبه الجزيرة الكورية، فحاول الحصول على دعم الاتحاد السوفيتي منذ عام 1949، لكن ستالين لم يكن متحمساً، لانشغاله بالحرب الأهلية الصينية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ما تزال في كوريا الجنوبية، حيث ستكمل انسحابها في شهر حزيران/يونيو من عام 1949.

تغير الوضع الدولي في شهر نيسان/أبريل عام 1950، حيث نجح الاتحاد السوفيتي في تفجير أول قنبلة في شهر أيلول/سبتمبر عام 1949، وانسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من كوريا الجنوبية، إضافةً لانتصار الثورة الشيوعية في الصين حيث لم تتدخل فيها الولايات المتحدة الأمريكية الأمر الذي أعطى الاتحاد السوفيتي؛ المبرر للاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتدخل في النزاع الصيني إذا ما حصل، فقام الاتحاد السوفيتي بتسليح كوريا الشمالية، ليوافق بعد ذلك على غزو كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية التي كانت تعاني من ضعف في قواتها العسكرية نتيجة انشغالها لفترة طويلة في محاربة الشيوعيين المتمردين فيها.

كوريا الشمالية تدعو للسلام وتستعد للحرب
دعا رئيس كوريا الشمالية كيم إيل سونغ في السابع من شهر حزيران/يونيو عام 1950 لإجراء انتخابات في كل شبه الجزيرة الكورية بين الخامس والثامن من شهر آب/أغسطس من عام 1950، كما دعا لعقد مؤتمر استشاري في مدينة هايجو بين الخامس عشر والسابع عشر من شهر حزيران/يونيو عام 1950، فأرسل ثلاثة دبلوماسيين إلى كوريا الجنوبية في الحادي عشر من شهر حزيران/يونيو لإجراء محادثات سلام لكن كوريا الجنوبية رفضت عرض كوريا الشمالية، التي تذرّعت بهذا السبب؛ لبدء الاستعدادات للهجوم على كوريا الجنوبية.

كوريا الشمالية تغزو كوريا الجنوبية
احتلت قوات كوريا الجنوبية مدينة هايجو الحدودية مع جارتها كوريا الشمالية، فقامت الأخيرة بالرد بغزو كوريا الجنوبية في فجر يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر تموز/ يونيو من عام 1950، ونتيجة افتقار الجيش الكوري الجنوبي للأسلحة الثقيلة كالدبابات والمدفعية الثقيلة، نجحت قوات كوريا الشمالية في التقدم داخل كوريا الجنوبية ما دفع رئيس كوريا الجنوبية وحكومته للخروج من مقرهم في العاصمة الكورية الجنوبية (سيؤول) في السابع والعشرين من شهر حزيران/يونيو عام 1950، وعلى الرغم من قيام جيش كوريا الجنوبية بتفجير جسر نهر هان - الموصل للعاصمة سيؤول - في الثانية من فجر الثامن والعشرين من شهر حزيران/يونيو عام 1950 إلا أنه لم ينجح في وقف تقدم جيش كوريا الشمالية الذي احتل العاصمة سيؤول في نفس اليوم، فانضمت القوات الكورية الجنوبية المتبقية في العاصمة سيؤول لجيش كوريا الشمالية، وفي أوائل شهر تموز/يوليو من عام 1950 كانت معظم كوريا الجنوبية تحت سيطرة كوريا الشمالية باستثناء بعض المناطق فيها.

الموقف الأمريكي من الحرب الكوريةعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تخشى التدخل في الحرب الكورية لأن ذلك قد يجعل الاتحاد السوفيتي يتدخل أيضاً، بالتالي يصبح خطر قيام حرب عالمية ثالثة قائماً، إلا أنها أي الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت نفسه لم تكن لتسمح بسقوط كوريا الجنوبية؛ لأن ذلك يعني أن الاتحاد السوفيتي سيتمدد في أي منطقة من دون رادع لاسيما بعد دخول الصين فلك الشيوعية، فلجأت الولايات المتحدة الأمريكية لمجلس الأمن لمواجهة ما حصل في كوريا، حيث اقترحت مشروع قرار على مجلس الأمن في الخامس والعشرين من شهر حزيران/يونيو عام 1950، أبرز بنوده :
- إنهاء كافة العمليات العدائية وانسحاب كوريا الشمالية إلى خط عرض 38.
- تشكيل لجنة للأمم المتحدة في كوريا لمراقبة الوضع وإبلاغ مجلس الأمن.
- على جميع الأعضاء مساندة الأمم المتحدة في تحقيق ذلك والامتناع عن إمداد كوريا الشمالية بالمساعدة.

حصل مشروع القرار الأمريكي على إجماع مجلس الأمن ليتحول إلى قرار حمل الرقم 82، حيث استغلت الولايات المتحدة الأمريكية غياب الاتحاد السوفيتي عن جلسات مجلس الأمن منذ شهر كانون الثاني/يناير من عام 1950، بالتالي عدم استخدامه حق النقض (الفيتو ) وذلك لرفض الأمم المتحدة منح مقعد مجلس الأمن الدائم للصين الشيوعية ومنحه لحكومة تايوان لإصدار هذا القرار، ونتيجة رفض كوريا الشمالية الانسحاب من كوريا الجنوبية، أصدر مجلس الأمن في السابع والعشرين من شهر حزيران/يونيو عام 1950 بغياب الاتحاد السوفيتي القرار رقم 83، الذي أوصى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتقديم المساعدة العسكرية لكوريا الجنوبية لإخراج قوات كوريا الشمالية من أراضيها.

عندها أدرك الاتحاد السوفيتي خطورة غيابه عن جلسات مجلس الأمن لاسيما أن ميثاق الأمم المتحدة لا يعتبر غياب دولة دائمة عن جلسة مجلس الأمن (فيتو)، بالتالي لا يعيق غيابها صدور أي قرار عن مجلس الأمن، فعاد للاشتراك في جلسات المجلس، إضافةً إلى ذلك شكك الاتحاد السوفيتي في شرعية قراري مجلس الأمن (82، 83) على اعتبار أن النزاع الكوري؛ حرب أهلية خارج صلاحيات منظمة الأمم المتحدة، بالتالي فإصدار مجلس الأمن أي قرار يتعلق بذلك يجب أن يحصل بموافقة كل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (الاتحاد السوفيتي، الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، فرنسا، بريطانيا) وهذا ما لم يحصل.

الأمم المتحدة تدخل الحرب الكورية
تولت الولايات المتحدة الأمريكية تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 83، فحشدت قواتها على رأس تحالف لدعم كوريا الجنوبية ضم خمس عشرة دولة عضو بالأمم المتحدة (بريطانيا، فرنسا، كندا، أستراليا، نيوزيلندا، جنوب أفريقيا، تركيا، تايلاند، اليونان، هولندا، أثيوبيا، كولومبيا، الفلبين، بلجيكا، لوكسمبورغ).

معركة أوسانبدأ التدخل الأممي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الكورية في الخامس من شهر تموز/يوليو عام 1950، بمعركة أوسان، لكن القوات الأممية خسرت المعركة واحتلت قوات كوريا الشمالية مدينة تايغون واستمرت بالتقدم في أراضي كوريا الجنوبية، بحلول شهر آب/أغسطس تراجعت القوات الأممية وقوات كوريا الجنوبية إلى محيط مدينة بوسان جنوب شرق كوريا وبذلك تكون كوريا الشمالية قد سيطرت على 90% من أراضي كوريا الجنوبية، فاعتقد الكوريون الشماليون أن النصر بات قاب قوسين أو أدنى وأن توحيد شبه الجزيرة الكورية سيتم في شهر آب/أغسطس عام 1950.

أرسل الرئيس الأمريكي هاري ترومان تعزيزات ضخمة إلى كوريا الجنوبية لمنع انهيارها أمام كوريا الشمالية، فكانت النتيجة تشكيل القوات الأممية مع قوات كوريا الجنوبية خط دفاعي على طول نهر ناكدونغ، في المقابل قامت الصين التي دعمت كوريا الشمالية في غزوها لكوريا الجنوبية بدراسة الخطوات التي يمكن أن تقدم عليها الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة كوريا الشمالية، وكانت التوقعات تشير إلى احتمال إنزال أمريكي بحري في كوريا فحشدت الصين مدعومة بالاتحاد السوفيتي قواتها عند مضيق كوريا.

معركة محيط بوسان هزيمة ثانية للقوات الأممية والكورية الجنوبيةبعد أيام من خسارة القوات الأممية والكورية الجنوبية معركة أوسان، أطلقت هذه القوات معركة (محيط بوسان) ضد كوريا الشمالية، لكنها هزمت للمرة الثانية أمام قوات كوريا الشمالية، فردت الولايات المتحدة الأمريكية بقصف أراضي كوريا الشمالية مما أدى لتدمير الجسور وانقطاع الإمدادات عن جيش كوريا الشمالية المتقدم في الجنوب، تزامن ذلك مع إنزال كتائب من الدبابات الأمريكية في كوريا من قواعدها العسكرية المتواجدة في اليابان، بالتالي أصبحت القوات الكورية الجنوبية والأممية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بوضع عسكري أفضل.
الطائرات الأمريكية تقصف الصينأثناء الغارات الأمريكية على كوريا الشمالية، استهدفت الطائرات الأمريكية في السابع والعشرين من شهر آب/أغسطس عام 1950 مرافقاً في الأراضي الصينية، فقام الاتحاد السوفيتي بعقد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة الغارات الأمريكية على الصين، فاعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بالغارات قائلة أنها "حدثت عن طريق الخطأ"، واقترحت تشكيل لجنة من الهند والسويد لتحديد حجم التعويضات التي يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية دفعها للصين نتيجة هذه الغارات، لكن الاتحاد السوفيتي رفض الاقتراح الأمريكي.
عملية كرومايت تنقذ سيؤول وتقلب موازين القوىعانت قوات كوريا الشمالية من نقص الإمدادات نتيجة القصف الأمريكي للجسور ومخازن الأسلحة والمؤن، كما افتقدت القوات الكورية الشمالية لقوات بحرية وجوية لمواجهة التدخل البحري والجوي الأمريكي، ولتخفيف الضغط عن القوات الأممية والكورية الجنوبية في محيط مدينة بوسان قامت الولايات المتحدة الأمريكية بعملية إنزال برمائية عرفت باسم (كرومايت) خلف خطوط الجيش الكوري الشمالي في مدينة إنشون في الخامس عشر من شهر أيلول/سبتمبر عام 1950، لتبدأ بعدها (معركة إنشون) التي نجحت فيها القوات الأمريكية في هزيمة القوات الكورية الشمالية المدافعة عن المدينة واحتلالها، بعد قصف عنيف استهدف المدينة.
موقف الاتحاد السوفييتي والصين من تطورات الحرب الكوريةأوفد الرئيس السوفييتي ستالين مسؤولاً سوفيتياً إلى كوريا الشمالية، حيث نصح المسؤول السوفيتي رئيس كوريا الشمالية كيم إيل سونغ وقف هجومه على مدينة بوسان، وإعادة نشر قواته في محيط سيؤول للدفاع عنها أمام القوات الأمريكية المتقدمة نحوها بعد نجاحها في احتلال مدينة إنشون، النصيحة ذاتها وجهتها الصين لكوريا الشمالية التي لم تستجب للدعوتين السوفيتية والصينية، فكانت النتيجة نجاح القوات الأمريكية في استعادة سيؤول وإجبار قوات كوريا الشمالية على الانسحاب في الخامس والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر عام 1950، فعقد الرئيس السوفيتي ستالين جلسة طارئة للمكتب السياسي السوفيتي أدان فيها عدم كفاءة الرئيس الكوري الشمالي كيم إيل سونغ للمعركة، الأمر الذي تسبب بهزيمة قوات كوريا الشمالية في سيؤول، وفي التاسع والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر عام 1950 عاد الرئيس والحكومة الكورية الجنوبية إلى سيؤول.

القوات الأممية تعبر خط عرض 38 وتغزو كوريا الشماليةمنتشية بنصرها في كوريا الجنوبية سعت القوات الأممية لاحتلال كوريا الشمالية وتوحيد كوريا تحت راية كوريا الجنوبية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، فهددت الصين بدخول الحرب إذا عبرت هذه القوات خط التقسيم، ونصحت قيادة كوريا الشمالية بالانسحاب السريع للتمكن من مواجهة القوات الأممية والكورية الجنوبية المتقدمة نحوها، لكن القيادة في كوريا الشمالية لم تنسحب كما ينبغي، الأمر الذي أدى لملاحقتها من قبل القوات الأممية والكورية الجنوبية متجاوزة بذلك خط التقسيم في الأول من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1950.

حيث طالب قائد القوات الأممية مارك آرثر الجيش الكوري الشمالي باستسلام غير مشروط، فرفض الجيش ذلك، فواصلت القوات الأممية والأمريكية التقدم في السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1950، حيث تمكنت من احتلال عاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانغ، في التاسع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1950 قطعت القوات الأممية والكورية الجنوبية الطريق بين كوريا الشمالية والصين، لمنع هروب قادة كوريا الشمالية ولإنقاذ أسرى الحرب الأمريكيين الذين اعتقلتهم كوريا الشمالية خلال هذه الحرب، لكن الرئيس والحكومة الكورية الشمالية تمكنوا من الفرار إلى مدينة سينويجو ثم إلى مدينة كانغي.

الصين تدخل الحرب الكوريةرداً على اقتراب القوات الأممية والكورية الجنوبية من الحدود الصينية، وترجمةً لتهديد صيني سابق بأن الصين لن تسمح بغزو كوريا الشمالية باعتباره يشكل تهديداً للأمن القومي الصيني، وبعد التنسيق مع الاتحاد السوفيتي، دخلت الصين الحرب إلى جانب كوريا الشمالية، حيث عبرت القوات الصينية سراً نهر يالو في التاسع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1950، في الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر هاجمت القوات الصينية القوات الأممية التي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية قرب الحدود الصينية الكورية.

في نفس الوقت وفّر الاتحاد السوفيتي الغطاء الجوي لتقدم القوات الصينية داخل كوريا، حيث تمكن الصينيون من الانتصار على القوات الأممية والكورية الجنوبية حتى نهر شونغشون، ثم اختبئ الصينيون في الجبال القريبة تطبيقاً لسياسة (اضرب واهرب)، في المقابل لم تقتنع القوات الأممية بأن الصين دخلت الحرب علناً إلى جانب كوريا الشمالية بسبب اختفاء القوات الصينية المفاجئ من ساحة القتال.

استمرت عمليات القوات الأممية والكورية الجنوبية على طول الساحل الشرقي لكوريا الشمالية في الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، في اليوم التالي أي في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر هاجمت القوات الصينية القوات الأممية والكورية الجنوبية المتقدمة في معركة نهر شونغشون، وفي التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر كان الجيش الأمريكي الثامن تحت حصار القوات الصينية، في اليوم التالي تمكنت القوات الصينية من دفع الجيش الثامن الأمريكي من التراجع إلى شمال غرب كوريا، وفي منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر تراجع الجيش الأمريكي الثامن إلى جنوب خط 38 الفاصل بين الكوريتين مما شكل ضربة قوية لمعنويات القوات الأممية المشاركة في الحرب.

في السادس عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1950 أعلن الرئيس ترومان حالة الطوارئ في البلاد، حيث استمرت حتى الرابع عشر من شهر أيلول/سبتمبر عام 1978، في السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر منعت الصين الرئيس الكوري الشمالي كيم إيل سونغ من قيادة الجيش الكوري الشمالي واستلم الجيش الصيني العمليات العسكرية في كوريا الشمالية.

استغلت الصين احتفالات ليلة رأس السنة الميلادية في الحادي والثلاثين من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1950 صباح الأول من كانون الثاني/يناير عام 1951، فحاصرت القوات الأممية وهاجمتها بقوات متفرقة قليلة العدد مصحوبة بالأبواق والأصوات العالية لتسهيل التواصل بين القوات الصينية من جهة ولإرباك القوات الأممية المحاصرة من جهة ثانية، وهذا ما حصل، حيث شعرت القوات الأممية بالذعر وترك الجنود أسلحتهم ولاذوا بالفرار نحو الجنوب، فتمكن الصينيون من احتلال عاصمة كوريا الجنوبية سيؤول بعد انسحاب القوات الأممية منها وذلك في الرابع من كانون الثاني/يناير عام 1951، واصلت القوات الصينية تقدمها في كوريا الجنوبية حيث هزمت في الرابع عشر من شهر شباط/فبراير القوات الأممية واحتلت مدينة هوينغسيونغ.
سيوول من الاحتلال الصيني إلى الاحتلال الأمريكي

عانت القوات الصينية المتقدمة في كوريا الجنوبية من نقص في الإمدادات، فاستغل الجيش الأمريكي الثامن ذلك مهاجماً القوات الصينية في الأسبوعين الأخيرين من شهر شباط/فبراير، وتمكن من إعادة احتلال أراضي جنوب نهر هان، ومدينة هوينغسيونغ، في السابع من شهر آذار/مارس عام 1951 هاجم القوات الصينية في مدينة سيؤول وتمكن من استعادتها في الرابع عشر من شهر آذار/مارس عام 1951 وطرد القوات الصينية منها.

عزل مارك آرثر من قيادة العمليات العسكرية في كورياعزل الرئيس الأمريكي ترومان الجنرال مارك آرثر من قيادة العمليات العسكرية في كوريا في الحادي عشر من شهر نيسان/أبريل عام 1951، للأسباب التالية :
- اتخاذه قرار غزو كوريا الشمالية من دون توقع تدخل الصين إلى جانب كوريا الشمالية (لم يأخذ على محمل الجد التهديد الصيني بدخول الحرب إذا تجاوزت القوات الأممية خط عرض 38 الذي يقسم الكوريتين)، الأمر الذي تسبب بخسائر كبيرة للقوات الأممية.
- تهديده الصين بقصفها بالأسلحة النووية لإجبارها على الانسحاب، فهذا التهديد ليس من صلاحيات مارك آرثر بل من صلاحيات الرئيس ترومان.
- مخالفة آرثر لأوامر الرئيس ترومان، الذي طالبه بانسحاب منظم من كوريا الشمالية ووقف إطلاق النار عبر هدنة بين الطرفين، فأصر آرثر على مواصلة الحرب، الأمر الذي تسبب بإطالة أمدها.

جيمس فان فليت يخلف آرثر في قيادة العمليات العسكرية في كورياعمل جيمس فان فليت الذي تولى قيادة العمليات العسكرية في كوريا عوضاً عن آرثر على استنزاف القوات الصينية، حيث قام بإنزالٍ خلف الخطوط الصينية بما عُرف بعملية (توماهوك) لشل حركة القوات الصينية ومحاصرتها، وهو ما حصل في شهر نيسان/أبريل عام 1951.
القوات الصينية تستعيد زمام المبادرة في الحرب الكوريةلم تستسلم القوات الصينية للانتكاسات التي تعرضت لها في الفترة الأخيرة، بل بدأت بشن هجوم على مرحلتين ضد القوات الأممية التي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية أطلقت عليه اسم (هجوم الربيع)، حيث بدأت المرحلة الأولى في معركة نهر إيمجين بين الثاني والعشرين والخامس والعشرين من شهر نيسان/أبريل عام 1951؛ فتمكنت من إيقاف تقدم القوات الأممية شمال سيؤول، بدأت المرحلة الثانية من هجوم الربيع في الخامس عشر من شهر أيار/مايو عام 1951 ضد الجيش الأمريكي الثامن المتواجد عند ضفاف نهر سوينغ؛ فتمكنت من هزيمته في العشرين من شهر أيار/مايو، لكن الجيش الأمريكي الثامن شن هجوماً مضاداً على القوات الصينية وتمكن من هزيمتها واستعادة خط كانساس شمال خط العرض 38، وذلك في نهاية شهر أيار/مايو عام 1951.
مفاوضات على الطاولة واستئناف للقتال في الميدانبدأت المفاوضات بين ممثلين عن الصين وكوريا الشمالية من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية من جهة أخرى لإنهاء الحرب الكورية في العاشر من شهر تموز/يوليو عام 1951، استمرت عامين حتى شهر تموز/يوليو عام 1953، في وقت لم تتوقف فيه المعارك في الميدان حيث سعى كل طرف لاستعادة ما خسره لتحسين موقفه في المفاوضات، لكن من دون نتيجة، كونه لم يتمكن أي طرف من تحقيق أي اختراق على حساب الطرف الآخر.

استلم الرئيس الأمريكي الجديد دوايت أيزنهاور السلطة في مطلع عام 1952، فقام بزيارة كوريا في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1952 لمعرفة إمكانية إيجاد حل للحرب الكورية، حيث كانت المفاوضات صعبة وشاقة، فكان الخلاف الرئيسي موضوع تبادل الأسرى، تم التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في السابع والعشرين من شهر تموز/يوليو عام 1953، تضمن الاتفاق:
- إنشاء منطقة مجردة السلاح على الحدود بين الكوريتين الشمالية والجنوبية.
- تشكيل لجنة اسمها (العودة للوطن) لمناقشة مصير من يرغب بالعودة إلى بلاده ممن لا يرغب، (حيث كان الكثير من الكوريين الشماليين لا يرغبون بالعودة لبلادهم، وكذلك الأمر بالنسبة لكوريا الجنوبية).
- وضع لجنة دولية مكونة من سويسريين وسويديين على الحدود بين الكوريتين لمراقبة وقف إطلاق النار.

بذلك تكون الحرب الكورية قد وضعت أوزراها، وبعد عام على الهدنة أجرى المتحاربون عملية تبادل أسرى عرفت باسم (عملية المجد) بين شهري تموز/يوليو وتشرين الثاني/نوفمبر عام 1954.

شبه الجزيرة الكورية بعد الحربشهدت الكوريتين الشمالية والجنوبية العديد من الأحداث، أبرزها:
توقيع كوريا الجنوبية معاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1953.
جددت كوريا الشمالية مسعاها لتوحيد شبه الجزيرة الكورية، بعد نجاح قوات فيتنام الشمالية في احتلال فيتنام الجنوبية وتوحيد فيتنام في شهر نيسان/أبريل عام 1975، فزار الرئيس الكوري الشمالي كيم إيل سونغ الصين في شهر نيسان/أبريل عام 1975 طالباً مساعدات عسكرية لتحقيق هدفه لكن الصين رفضت ذلك.

أعلنت كوريا الشمالية امتلاكها القنبلة النووية في عام 2002، الأمر الذي جرً العديد من العقوبات الأممية ضدها؛ آخرها كان في شهر آذار/مارس عام 2013.
أعلنت كوريا الشمالية في الثلاثين من شهر آذار/مارس عام 2013 إبطال الهدنة الموقعة مع جارتها كوريا الجنوبية في عام 1953، وأنها في حالة حرب معها.

في الرابع من شهر نيسان/أبريل عام 2013 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية نشر نظام مضاد للصواريخ البالستية في كوريا الجنوبية لحمايتها من أي خطر محتمل من جارتها كوريا الشمالية.
أعلنت كوريا الشمالية استعدادها لإجراء محادثات سلام رسمية مع الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2016، فوافقت الولايات المتحدة الأمريكية شرط أن يكون نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية كجزء من اتفاقية السلام، فرفضت كوريا الشمالية ذلك، وقامت بتفجير قنبلة هيدروجينية في السادس من شهر كانون الثاني/يناير عام 2016، الأمر الذي رفضته كل دول العالم.

في الختام.. شكلت الحرب الكورية اختباراً لميزان القوى بين الدول العظمى (الصين والاتحاد السوفيتي من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى)، حيث أثبتت عجز الطرفين عن حسم الحرب لصالحه، فتكرس مبدأ توازن القوى بين الدول العظمى، وكانت النتيجة تكريس الانقسام في كوريا تبعاً لانقسام النظام الدولي آنذاك إلى قطبين، وما تزال شبه الجزيرة الكورية مقسمة حتى الآن دون أن تنجح أي من الكوريتين في فرض الوحدة على الطرف الآخر.




ومؤخرا نجحت  كوريا الشمالية في تغيير قواعد اللعبة وفرض سياسة الأمر الواقع للمرة الثالثة منذ بداية القرن الحالي، ففي المرة الأولى نجحت في اختبار سلاح نووي، وفي المرة الثانية نجحت في اختبار صاروخ عابر للقارات وفي المرة الثالثة نجحت في اختبار قنبلة هيدروجينية صغيرة الحجم تصلح لتكون رأسا متفجرا لصاروخ عابر للقارات.

والأن قد تغيرت الأمور بعد نجاح اختبار تفجير القنبلة الهيدروجينية حيث إنتقل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من التهديد بضرب كوريا الشمالية إلى تحذيرها..

ليس أمام العالم الآن إلا محاولة احتواء كوريا الشمالية التي افقدت الولايات المتحدة سيطرتها على التوازن في شبه الجزيرة الكورية وليس أمامها الآن غير أن تستدعي الصين للمساعدة. 


وبذلك سوف تصبح الصين لاعبا رئيسيا في السياسة العالمية في منطقة جنوب شرق اسيا وشرق اسيا....ثم في كل انحاء العالم.


وللحديث بقية مع الصراع علي السلطة في بلا قيود ....




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق